کد مطلب:239396 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:230

ملاحظات لابد مها فی المرحلة الثالثة
و قبل الانتقال الی الكلام علی المرحلة الرابعة، و الأخیرة . لابد من ملاحظة أمور :

أ : انهم فی نفس الوقت الذی نراهم فیه یبعدون الدعوة عن أهل البیت، كما یدلنا علیه قول محمد بن علی العباسی لبكیر بن ماهان :

«و حذر شیعتنا التحرك فی شی ء مما تتحرك فیه بنوعمنا آل أبی طالب ؛ فان خارجهم مقتول، و قایمهم مخذول ؛ و لیس لهم من الأمر نصیب » و سنأخذ بثأرهم ... » [1] .

و كما یدلنا علیه ما رواه الطبری من أن محمد بن علی نهی دعاته عن رجل اسمه : غالب ؛ لأنه كان مفرطا فی حب بنی فاطمة [2] .

نراهم من جهة ثانیة : و حتی لا یصطدموا بالعلویین وجها لوجه .. كانوا فی جمیع مراحل دعوتهم یتكتمون جدا باسم الخلیفة، الذی یدعون الناس الیه، و الی بیعته، بل ان الشخص الذی كانوا یدعون



[ صفحه 44]



الناس الیه، و الی بیعته .. بل و كان الناس یبایعونه ما كانوا یعرفونه، بل یعرفه الدعاة فقط، و علی الناس أن یبایعوا الی «الرضا من آل محمد» و لا بأس بمراجعة نص البیعة فی تاریخ التمدن الاسلامی، المجلد الأول ؛ الجزء الاول ص 125.

و لعل هدفهم من ذلك كان أیضا : هو أن لا یربطوا الدعوة بفرد معین، حتی لا تضعف اذا ما مات، أو اغتیل ..

و علی كل فقد نص ابن الأثیر فی الكامل ج 4 ص 310، حوادث سنة 130 علی أن أبامسلم كان یأخذ البیعة الی الرضا من آل محمد .. و مثل ذلك كثیر فی كلمات المؤرخین، و الیك بعض النصوص التاریخیة، التی تدل علی ذلك :

ففی الكامل ج 4 ص 323 نص علی أن محمد بن علی بعث داعیا الی خراسان یدعو الی «الرضا من آل محمد» و لا یسمی أحدا، و لعل الذی أرسله هو أبوعكرمة الآتی ذكره ..

و قد قال محمد بن علی العباسی لأبی عكرمة : «فلتكن دعوتك الی : «الرضا من آل محمد» ؛ فاذا وثقت بالرجل، فی عقله . و بصیرته، فاشرح له أمركم ..

و لیكن اسمی مستورا من كل أحد، الا عن رجل عدلك فی نفسك، و توثقت منه، و أخذت بیعته .. » .

ثم أمره بالتحاشی عن الفاطمیین [3] .

و یقول أحمد شلبی : «.. كانوا (أی العباسیون) یوهمون العلویین بأنهم یعملون لهم، و لكنهم فی الواقع كانوا یعملون لأنفسم » [4] .



[ صفحه 45]



و یقول أحمد أمین : «.. و مع هذا فكان من أحكام أمرهم أنهم لم یكونوا یصرحون عند دعوتهم فی كثیر من المواقف باسم الامام ؛ لیتجنبوا انشقاق الهاشمیین بعضهم علی بعض ..» [5] .

ولو كان الخلیفة معینا و معروفا عند الناس، لما استطاع أبومسلم، و أبوسلمة، و سلیمان الخزاعی، أن یكاتبوا الامام الصادق علیه السلام، و غیره من العلویین، أنهم یبایعونهم، و یجعلون الدعوة لهم، و باسمهم ..

و قد تقدمت رسالة أبی مسلم للامام الصادق علیه السلام، التی یصرح فیها بأنه : انما دعا الناس الی موالاة أهل البیت فقط، أی من دون تصریح باسم أحد..

و قد قال أحدهم : كنت عند أبی عبدالله علیه السلام، فأتاه كتاب أبی مسلم ؛ فقال : «لیس لكتابك جواب . أخرج عنا» [6] .

و قال السید أمیر علی بن أبی مسلم : «و قد ظل الی هذا الوقت موالیا، بل مخلصا، بل متحمسا لابناء علی [7] .

و قال صاحب قاموس الأعلام : «و عرض أبومسلم الخراسانی الخلافة ابتداءا علی الامام الصادق، فلم یقبلها [8] .



[ صفحه 46]



و أما أبوسلمة : فانه عندما خاف من انتقاض الامر علیه، بسبب موت ابراهیم الامام، أرسل - و السفاح فی بیته - الی الامام لاصادق علیه السلام یطلب منه القدوم علیه لیبایعه، و تكون الدعوة باسمه، كما أنه كتب بمثل ذلك الی عبدالله بن الحسن .. لكن الامام علیه السلام، الذی كان فی منتهی الیقظة و الحزم . رفض الطلب، و أحرق الكتاب، و طرد الرسول [9] .

و قد نظم أبوهریرة الأبار، صاحب الامام الصادق علیه السلام هذه الحادثة شعرا، فقال :



و لما دعا الداعون مولای لم یكن

لیثی الیه عزمه بصواب



و لما دعوه بالكتاب أجابهم

بحرق الكتاب دون رد جواب



[ صفحه 47]



و ما كان مولای كمشری ضلالة

و لا ملسا منها الردی بثواب



و لكنه لله فی الارض حجة

دلیل الی خیر، و حسن مآب [10] .



و كتب الیه أبوسلمة أیضا مرة ثانیة، عندما أقبلت الرایات : «ان سبعین الف مقاتل وصل الینا، فانظر أمرك» . فأجابه الامام بالرفض أیضا [11] .

و أما سلیمان الخزاعی : المدبر الحقیقی للثورة فی خراسان، فانه اتصل بعبدالله بن الحسین الأعرج، و هما یسایران أباجعفر المنصور فی خراسان، عندما أرسله السفاح الیها، قال سلیمان لعبدالله : «انا كنا نرجو أن یتم أمركم، فاذا شئتم فادعونا الی ما تریدون !!»، فعلم أبومسلم بالأمر، فقتل سلیمان هذا [12] .

بل ان هذا ان دل علی شی ء فانما یدل علی أن كثیرا من الدعاة ما كانوا یعرفون : أن الخلیفة سیكون عباسیا، فضلا عن أن یكونوا یعرفونه باسمه الصریح ..

قال الدكتور فاروق عمر: «علی أننا نستطیع القول : ان اسم الامام كان معروفا لذی الحلقات الخاصة من الشیعة الهاشمیة، أو العباسیة، و أن الكثیر من الأنصار، الذین ساندوا الثورة، و منهم ابن الكرمانی نفسه، لم یكن یعرف أن «الرضا من آل البیت » سیكون عباسیا، مع أن ابن الكرمانی كان قائدا كبیرا، و كان یطمع الی الاستیلاء علی



[ صفحه 48]



خراسان [13] .

ب : یلاحظ أن العباسیین قد موهوا علی الناس، و استطاعوا أن یخدعوهم، حیث خیلوا لهم فی بادی ء الأمر أن الثورة كانت للعلویین .. ثم بدءوا یعدون العدة لما سوف یقولون للناس عند اكتشافهم لحقیقة الأمر؛ فصنعوا سلسلة الوصایة المعروفة عنهم من علی بن أبی طالب، الی محمد ابن الحنفیة، فالی أبی هاشم، فالی علی بن عبدالله بن العباس .. و هكذا .. و هی فی الحقیقة نفس عقیدة الكیسانیة، كما سنشیر الیها فی بعض الهوامش الآتیة .

و قد جازت حیلتهم هذه علی الناس، الذین كانوا یظنون أنهم یعملون للعلویین [14] ، حتی لقد خفی أمرهم عن عبدالله بن معاویة حسما قدمنا، بل لقد كان من جملة المخدوعین، الذین اكتشفوا الحقیقة بعد فوات الألوان، سلیمان الخزاعی، الذی تقدم أنه - باعترافه - كان یرجو هذا الأمر للعلویین، و أبومسلم الخراسانی الذی صارح المنصور بأن السفاح كان قد خدعه .. و أنه خدع أیضا من قبل ابراهیم الامام، حیث ادعیا الوصایة و الامامة، و حرفا الآیات الواردة فی أهل البیت لتنطبق علیهم، مما كان من نتیجته أن زوی الأمر عن أهله، و وضعه



[ صفحه 49]



فی غیر محله [15] .

أما انخذاع ابن الكرمانی فهو من الامور الواضحة و المعروفة . بل لقد رأینا البعض یذكر أن أباسلمة الخلال كان أیضا من جملة المخدوعین، حیث كان یتوهم : أن الخلیفة سیكون علویا لا عباسیا [16] .

ج : و مما تجدر الاشارة الیه هنا، هو ما تقدم : من رفض الامام القاطع لعرض كل من أبی سلمة، و أبی مسلم فی جعل الدعوة له، و باسمه ..

ما ذلك الا لعلمه علیه السلام : بأن هؤلاء لیس لهم من هدف، الا الوصول الی مآربهم من الحكم و السلطان، ثم یتخلصون من كل من لا یعودون بحاجة الیه، اذا اعتبروه عقبة فی طریقهم .. كما كان الحال فی قتلهم أبامسلم، و سلیمان بن كثیر، و أباسلمة .. و غیرهم .. شاهدنا علی ذلك جواب الامام علیه السلام لأبی مسلم : «ما أنت من رجالی، و لا الزمان زمانی » .. و كذلك المحاورة التی جرت بینه علیه السلام، و بین عبدالله بن الحسن، عندما جاءه كتاب من أبی سلمة مثل كتابه .. و أیضا قوله علیه السلام : مالی و لأبی سلمة، و هو شیعة لغیری .. بل و مما یدل علی ذلك دلالة قاطعة .. ما قدمناه من اعتذار أبی سلمة للسفاح، عن مراسلته للصادق، و غیره من العلویین، بأنه : «كان یدبر استقامة الأمر » بل یذكر الطبری ج 6 ص 102 و ابن الأثیر ج 5



[ صفحه 50]



ص 437 : أنه عندما جمع السفاح خاصته لیستشیرهم بقتل أبی سلمة و أخبرهم . بمكاتبته للعلویین .. نجد أن بعض خاصته انبری لیقول : ما یدریكم لعل ما صنع أبوسلمة كان من رأی أبی مسلم [17] و علیه فلا یصح قول صاحب العیون و الحدائق ص 181 : «و لم یكن هوی أبی سلمة معهم، و انما كان هواه مع الصادق جعفر الخ .. » فان لجوءه الی الصادق انما كان لأجل استقامة الأمر . بل ان بعض المحققین لا یستبعد أن یكون من جملة أهدافهم من رسائلهم تلك ، الی الصادق ، و عبدالله ابن الحسن، و غیرهما من العلویین .. هو معرفة ان كان هؤلاء یطمحون الی الحكم، و یرغبون فیه أولا .. و ذلك لیستعد العباسیون - من ثم - لمواجهة دعوتهم، و رصد كل حركاتهم، و سكناتهم، و من ثم شل حركتهم، و القضاء علیهم .. و هذا أسلوب استعمله المنصور من بعد، لكن الامام الصادق علیه السلام تنبه للمكیدة، و عمل علی احباطها ..

د : و تصریح أبی سلمة هذا و موقف الامام منه، و قوله : انه شیعة لغیره یلقی لنا ضوءا علی الروایات التی تتهمه، و تتهم أبامسلم بمیول علویة .. و أن أبامسلم أراد أن یعلن خلافة علویة، بمجرد وصوله الی خراسان، كما عن الذهبی، و شارح شافیة أبی فراس، و تاریخ الخمیس . فان ذلك لا شاهد له الا رسائلهما التی أشرنا الیها .. مع أنها لم یكن الهدف منها الا استقامة الأمر للعباسیین .. خصوصا اذا لاحظنا أن أبامسلم قد قضی علی عدة ثورات للعلویین، و باسمهم - كما أشرنا الیه -



[ صفحه 51]



و أنه كان یلاحقهم تحت كل حجر و مدر، و فی كل سهل و جبل، علی حد تعبیر الخوارزمی [18] .


[1] طبيعة الدعوة العباسية 152، نقلا عن : مخطوطة العباسي ص 93 أ، 93 ب.

[2] راجع، تاريخ الجنس العربي ج 8 ص 411.

[3] طبيعة الدعوة العباسية ص 155، نقلا عن: DIC .PO ص 95 أ / 95 ب.

[4] التاريخ الاسلامي و الحضارة الاسلامية ج 3 ص 20.

[5] ضحي الاسلام ج 3 ص 381 ،380.

[6] روضة الكافي ص 274، و البحار ج 47 ص 297.

[7] روح الاسلام ص 306.

[8] راجع المجلد الأول، الجزء الأول من كتاب : الامام الصادق و المذاهب الأربعة ص 57، نقلا عن : قاموس الاعلام ج 3 ص 1821 طبع استانبول، تأليف : ش . سامي ..

و رغم أن أبامسلم قد قضي علي عدة ثورات قامت باسم العلويين، علي ما في كتاب : طبيعة الدعوة العباسية ص 253 ،251، فاننا نعتقد أن رسائله هذه، و رسائله التي أرسلها الي المنصور يظهر فيها الندم علي أنه زوي الأمر عن أهله ، و وضعه في غير محله .. هي السر، و السبب الحقيقي الكامن وراء قتله، مع أنه مؤسس الدولة العباسية ( و من سل سيف البغي قتل به )، و مشيد أركانها .. و قد استظهر ذلك أيضا المستشرق العلامة (بلوشيه) علي ما في كتاب طبيعة الدعوة العباسية ص 251، و أشار اليه أيضا السيد أمير علي في كتابه : روح الاسلام ص 311.

[9] مروج الذهب ج 3 ص 354 ،253، و ينابيع المودة ص 381، و تاريخ اليعقوبي ج 3 ص 86، و الوزراء و الكتاب ص 86، و هامش ص 421 من امبراطورية العرب، و الفخري في الآداب السلطانية ص 155 ،154، و روح الاسلام ص 308، و عمدة الطالب، طبع بيروت ص 83 ، 82، و الكامل لابن الأثير ..

و نقله في المناقب لابن شهرآشوب ج 4 ص 229، و البحار ج 47 ص 132 عن ابن كادش العكبري في : مقاتل العصابة .. لكنهما (أعني المناقب و البحار ) ذكرا أن الذي كتب للامام هو أبومسلم .. و في المناقب ج 4 آخر ص 229، و البحار ج 47 ص 133 نقلا عن رامش الافزاري أن الذي كتب الي الامام هو أبومسلم الخلال !!! ..

و واضح أن هذا هو السبب الحقيقي لقتل أبي سلمة، و قد صرح بذلك جمع من المؤرخين و الباحثين.

[10] مناقب ابن شهرآشوب ج 4 ص 230 . و البحار ج 47 ص 133.

[11] مناقب ابن شهرآشوب ج 4 ص 229، و البحار ج 47 ص 133، و الامام الصادق و المذاهب الأربعة ج 1 ص 47.

[12] الطبري ج 10 ص 132، و الامامة و السياسة ج 2 ص 125.

[13] طبيعة الدعوة العباسية ص 209 .. و لقد اشتبه الأمر علي الدكتور فاروق عمر؛ فان ابن الكرماني كان من عمال الامويين، و لم يكن من الشعية في أي وقت من الأوقات، و انما استماله أبومسلم توطئة للغدر به .. و لم يكن أبومسلم و لا غيره من الدعاة و النقباء ليصرحوا لعدوهم بمثل هذا الأمر الذي يخفونه عن أخص الناس بهم، بل حتي عمن هم مثل المنصور.

[14] امبراطورية العرب ص 206، و غير ذلك كثير.

[15] الامام الصادق و المذاهب الأربعة المجلد الأول، جزء 2 ص 533، و سنشير الي مصادر اخري لذلك فيما يأتي ان شاء الله.

[16] التاريخ الاسلامي و الحضارة الاسلامية ج 3 ص 254 . و في كتاب : السيادة العربية لفان فلوتن ص 97 : أن النقباء أمروا بعض الدعاة بستر اسم المدعو له، و أخفوا اسم المدعو له عن البعض الآخر.

[17] و أما كتابه للصادق فهو لا يدل علي اخلاصه له، بل هو فقط - كان يدبر استقامة الأمر، و قتله من قبل العباسيين بهذا الحرم ليس الا تغاضيا عن حقيقة الأمر بهدف الوصول الي أهدافهم في التخلص منه بطريقة مشروعة.

[18] و لكننا لا نجد فيما بأيدينا من الشواهد التاريخية، ما يؤيد دعوي الخوارزمي هذه عدا ما ذكروه من أنه : قتل عبدالله بن معاوية بن عبدالله بن جعفر، و عبيدالله بن الحسين بن علي بن الحسين.